الرؤى الدولية
الرؤى الدولية للشرق الأوسط، تختلف باختلاف الدول والمصالح في المنطقة، ولكل من الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوربي، واليابان، وروسيا، والصين، مصالح كبيرة في المنطقة، إلا أن مشروع الشرق الأوسط الجديد، كان أكثر المشروعات حظاً، من زاوية الاهتمام الدولي، وفي إطار هذا المشروع، عقدت قمة الدار البيضاء، في أكتوبر عام 1994م، ثم تلتها في العام التالي قمة عمان الاقتصادية، ويرى البعض أن مؤتمر القاهرة في نوفمبر عام 1997م، كان نقطة التحول في مشروعات الشرق الأوسط الجديد، ذلك أن هذا المؤتمر لم يتعرض إلى مشروعات، تتعلق برفع المقاطعة العربية عن إسرائيل، على عكس القمتين السابقتين، وأثبت أن التقدم في التطبيع الاقتصادي يجب أن يسير على التوازي، مع التقدم في مسيرة السلام، وقد تم في هذا المؤتمر الاقتصادي للشرق الأوسط وشمالي أفريقيا إقرار العديد من المشروعات، وتشترك هذه المشروعات، في أنها تربط بين أكثر من دولة من دول إقليم الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، خاصة بعد الموافقة على إنشاء صندوق إقليمي للتنمية الاقتصادية، تسهم فيه بعض الدول الكبرى، وبعض دول المنطقة، ويرتكز المشروع الشرق أوسطي، على أن تاريخ الحروب العربية الإسرائيلية أثبت أن الأمن والاستقرار لا يتحققان بقوة السلاح وحده، وأن مطلب الأمن هو مطلب إسرائيلي وعربي، في الوقت نفسه، فالمفهوم الشامل للأمن القومي، يعتمد على متغيرات أخرى غير العسكرية، مثل الثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، خاصة أن نوع الأسلحة، التي تحتفظ بها دول المنطقة، تتخطى مفاهيم الأمن الجغرافي، ومن ثم فإن تفعيل هذه المتغيرات غير العسكرية، من شأنه أن يثبت مفهوم السلام، ولابد أن يتزامن ذلك، مع نزع السلاح النووي، وتخفيض الإنفاق العسكري في المنطقة، بحيث تصبح المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، وتحويل الجزء الباقي إلى التنمية الاقتصادية، ورفع مستوى شؤون المنطقة. والفرضية الأساسية الثانية، في مشروعات التعاون الإقليمي، أن هذه المشروعات يجب أن تستمد مقوماتها من النظام الإقليمي العربي، بعد أن أصبح حفظ الأمن العربي يقوم على هوية ثقافية، تستوعب كل الأقليات في المنطقة الدينية، والعرقية، والإثنية، بينما النظام الشرق أوسطي، يقوم على التعددية الثقافية، والدينية، والعرقية، والجديد، في مشروعات التعاون في إطار الشرق أوسطية، أن هناك أصواتاً في إسرائيل نفسها تنتقد التكلفة المرتفعة، التي ستتحملها إسرائيل، نتيجة للتعاون الإقليمي الشرق أوسطي، كما روج له شيمون بيريز، وبالتالي فإن الحكومة الإسرائيلية لها رؤية مختلفة للتعاون الإقليمي، تقوم على شرق أوسطية جديدة معدلة، تعتمد على الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة. وفي المقابل هناك وجهات نظر للمثقفين العرب تقول إن إسرائيل، بعدد سكان لا يتجاوز خمسة ملايين نسمة وفقر في الموارد الطبيعية، ليست مؤهلة لقيادة أيّ مشروع تعاوني شرق أوسطي، من دون مساندة الدول المحورية في المنطقة العربية، وهي مصر وسوريا والسعودية، خاصة أن تجارب التعاون الإقليمي في المنطقة العربية، منذ الفترة التالية للحرب العالمية الثانية، لا تضمن لهذا التعاون الإقليمي أن يلقى نفس مصير التعاون الإقليمي العربي، خاصة أن تحديد الإطار الجغرافي لمنطقة الشرق الأوسط، فيه غموض مقصود، وعلى الرغم من أنه أكثر المصطلحات شيوعاً، فإنه أكثرها مدعاة للاختلاف من زاوية من يضم من الدول، ومن يستبعد. من ثم، فإن أي حدود جغرافية للتعاون الإقليمي في إطار الشرق الأوسط، يجب أن تشمل جميع الدول العربية، فضلاً عن دول الجوار اللصيقة، حتى يمكن الوصول إلى الاستقرار القائم، على وحدة جيوبوليتيكية متماسكة سياسياً، واجتماعياً، واقتصادياً، وأمنياً، بمعنى أن يكون، لدى الأطراف في الشرق الأوسط، قناعة بأن لها مصالح مشتركة ومتبادلة، تستلزم حلولاً متوازنة وعادلة لجميع القضايا محل التعاون، بحيث تضمن هذه الحلول حقوق ومصالح الأطراف، في تكافؤ وتوازن، يؤدي إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي من دون أن يحاول طرف ما أن يهيمن على مقدرات الأطراف الأخرى، أو أن يستفيد على حساب الآخرين، أو أن يفرض إرادته على أطراف هذا النسق الإقليمي. هناك معالم مشتركة، تجمع بين رؤى هذه الدول جميعها للشرق الأوسط، لكن هناك سمات محددة مميزة للرؤية الأمريكية، وهي الأكثر تأثيراً في مجريات الأمور في المنطقة، غير أنه، من الضروري، التركيز في موضوع الرؤية، على قضيتين محددتين هما: التسوية والترتيبات الإقليمية:
1. التسوية السياسية: إن التوجه الرئيسي للدول المعنية بالتسوية في الشرق الأوسط، بغض النظر عن أي خلافات سياسية بينها، هو أن هذه التسوية حتمية، ومن الضروري التشجيع على استمرار عملية السلام، والتغلب على العقبات، التي تعترض طريقها حتى تستقر أحوال المنطقة، وتزول الحواجز بين شعوبها، وهناك إجماع على أن السلام لا رجعة فيه، وهو ما أكده وزراء خارجية دول الاتحاد الأوربي (15دولة)، في اجتماعهم في مدينة بالرمو، في فبراير عام 1996م، وترى أمريكا، وروسيا، واليابان، والصين، ودول العالم الأخرى الرأي نفسه، غير أنه، من الملاحظ، أن الموقف الأوربي، والصيني، والياباني، والروسي مؤخراً، أكثر توازناً في التعامل مع قضية التسوية في الشرق الأوسط، وأقرب إلى الدعوة لتطبيق قرارات الشرعية الدولية، بشأن النزاع العربي الإسرائيلي، نصاً وروحاً، كذلك لوحظ أن أوربا بدأت تشعر بالضيق من انفراد الولايات المتحدة، بتقرير كل شيء في المنطقة، وظهر ذلك بوضوح في إصرار فرنسا على الاضطلاع بدور مهم، إبان العدوان الإسرائيلي على لبنان، وتصريحات الرئيس الفرنسي، حول عزم بلاده على العودة إلى المنطقة، بعد غيبة طويلة، وفي الوقت نفسه، انتقدت روسيا تجاهل أمريكا لها في التحركات الدبلوماسية في المنطقة، وإحجام واشنطن عن التشاور والتنسيق مع روسيا، وهي أحد راعيي مسيرة السلام، كما بدا واضحاً أن الدبلوماسية اليابانية والصينية، قد نشطتا في المنطقة.
ويلاحظ على الرؤية الدولية للشرق الأوسط عموميتها، فقد حلت عبارة عملية السلام في تصريحات وبيانات الأطراف الدولية، محل عبارة انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي، التي احتلت في يونيه عام 1967م، ومحل عبارة ضرورة الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، التي كانت تظهر في البيانات الدولية، مثل بيان البندقية الشهير عام 1982م، الذي تحدث عن وطن للفلسطينيين، وكادت تختفي عبارة الدعوة إلى تنفيذ قراري مجلس الأمن رقم 242 و338، وتوارت عبارة (الأرض مقابل السلام) في عدد من البيانات الدولية، مما يشير إلى ميل متزايد من جانب الأطراف الدولية، إلى عدم استخدام عبارات تضايق الجانب الإسرائيلي، بحجة تجنب ما يعكر صفو عملية السلام.
تركز الرؤية الدولية للتسوية على أن عملية السلام، التي بدأت في مدريد 13 أكتوبر 1991م، تخطت حاجز الجمود، واجتازت نقطة لا عودة منها، ولم يبق في مقدور أي طرف أن يعترض المسيرة، أو يحاول إيقافها، من دون أن يضع نفسه في تناقض مع العالم كله، فلم يبق الشرق الأوسط نقطة تصادم بين الكتلتين الشرقية والغربية، ولم يبق الغرب يخشى من انحياز دول عربية إلى موسكو، فقد أصبحت دول المنطقة، باستثناء إيران، ترتبط بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، وأصبحت الولايات المتحدة، بعد حرب الخليج الثانية، هي القوة المسيطرة على المنطقة، وانكمش الدور الأوربي إلى أدنى حد، وقد حدد أنطوني ليك، مستشار الأمن القومي الأمريكي، الهدف السياسي لبلاده في المنطقة، بأنه توسيع دائرة الدول الديمقراطية، التي تعمل بنظام السوق، وتعزيز المصالح الأمريكية، وحمايتها في المنطقة، ومواجهة تهديد الأنظمة الراديكالية، سواء العلمانية أو الدينية، لهذه المصالح[1]، وتحتوي الرؤية الأمريكية الواضحة للمنطقة على عناصر ثابتة وأخرى متغيرة، والثبات ناجم عن بقاء العديد من المصالح الحيوية لأمريكا في المنطقة، من دون تغيير، فمازال التدفق الحر لبترول الشرق الأوسط بأسعار معقولة، يُعدّ من المصالح الأمريكية الثابتة، كما أن ضمان التفوق النوعي لإسرائيل، في مجال التسلح، على مجموع الدول العربية، والمحافظة على أمن إسرائيل وبقائها ورخائها، من المصالح الثابتة للولايات المتحدة. أما العناصر المتغيرة، فهي تناقض في استخدام الوسائل العسكرية والاقتصادية للتأثير في الأحداث، في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، كما أن عصر الصواريخ خلق وضعاً، يمكن أن تجد فيه تل أبيب أنها عرضة لهجوم من أطراف في المنطقة. في الوقت نفسه، أثبتت إيران أنّ يدها يمكن أن تصل إلى أي مكان في المنطقة، وتتدخل في عملية السلام، وهناك أيضاً الدور المتزايد الأهمية، الذي تلعبه تركيا في الحسابات الإقليمية، من وجهة النظر الأمريكية، حيث تضع الرؤية الأمريكية، في حسابها، أن وجود حدود مشتركة، بين تركيا من جهة، وبين العراق، وإيران، وسوريا، من جهة أخرى، يمكن أن تخدم عملية احتواء النظام العراقي، وتنفيذ خطة توفير الإغاثة لسكان كردستان العراق، والضغط على سوريا عند اللزوم، والتحكم في حركة الأكراد على الحدود الإيرانية، في الوقت المناسب. وتعتمد الرؤية الأمريكية على استثمار انهيار الاتحاد السوفييتي، وهزيمة العراق، وتصفية قدرته العسكرية، وسقوط جبهة الرفض الراديكالية في الشرق الأوسط، لمنع ظهور قوى متطرفة جديدة في إيران أو السودان، قادرة على أن تفرض نفوذها على المنطقة، فضلاً عن زيادة وجودها العسكري، وتحجيم المطامح العسكرية لإيران والعراق، والتحكم في شحنات الأسلحة للدول الأخرى في المنطقة، ومن ثم، فإن هدف السياسة الأمريكية هو الوصول إلى تجمع شرق أوسطي، بدون إيران، والعراق، وليبيا، والسودان، مع التلويح بعزل سوريا إذا تمسكت بشروطها للتسوية مع إسرائيل، بدون تعديل، حيث مازالت تصر على وضع اسم سوريا في قائمة الدول، التي ترعى الإرهاب.
لقد ركزت الرؤية الأمريكية على إنهاء النزاع مع إسرائيل، وتطبيع العلاقات، وفتح الحدود، وتبادل السفارات، وإقامة العلاقات التجارية، مع إغفال متعمد، لقضية انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي، التي احتلتها في عدوان يونيه عام 1967م، وإغفال متعمد، لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، كذلك سقطت المصداقية الأمريكية نهائياً، في المنطقة، عندما وافقت واشنطن، على استثناء إسرائيل من التوقيع على المعاهدة الدولية لحظر الانتشار النووي، والضغط على العرب للتوقيع عليها، بما يعني التصديق على الاحتكار النووي الإسرائيلي، والاعتراف بالقدرة النووية لإسرائيل، وعقد تحالف إستراتيجي أمريكي إسرائيلي، يضمن لها، نهائياً، الاحتفاظ بالتفوق النوعي في المجال العسكري، إلى جانب الحصول على معلومات أجهزة المخابرات الأمريكية، وأقمار التجسس، وكل المستجدات التكنولوجية المتطورة. وساعدت أمريكا، بسياساتها في المنطقة، على تثبيت الوهم لدى الناخب الإسرائيلي، بأن حكومته تقدم التنازلات للفلسطينيين، مما يساعد على تواري المبدأ الأساسي للسلام، وهو إنهاء الاحتلال.
وبينما ركزت الرؤية الأمريكية على التعبئة، ضد ما تسميه التطرف الإسلامي، فقد أغفلت خطر التطرف اليهودي، على رغم أن موجة التطرف الديني والعنصري في إسرائيل، والتي قتلت إسحاق رابين، كانت تهدد عملية السلام، كما أن الحكومة الأمريكية لم تعارض قرار الكونجرس، بتحديد موعد نهائي لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، متجاهلة بنود اتفاق أوسلو، التي تنص على أن القدس محل تفاوض بين الجانبين في مفاوضات الحل النهائي، وقد أدت الرؤية الأمريكية إلى أن تبقى القضايا الرئيسية للصراع العربي الإسرائيلي، معلقة بلا حل، مثل قضايا الحدود، والانسحاب من الأراضي، التي احتلت عام 1967م، والمستوطنات، والقدس، وحق العودة، واللاجئين، والمياه، وتقرير المصير، كما ترتب، على هذه الرؤية، انتصار التطرف الإسرائيلي المناوئ لعملية السلام.
2. الترتيبات الإقليمية: يلخص روبرت بلليترو، مساعد وزير الخارجية الأمريكية، الرؤية الأمريكية للترتيبات الإقليمية في المنطقة، بقوله: إن المقاطعة العربية لإسرائيل هي أحد العوائق، في طريق التوسع الاقتصادي في المنطقة، وهي تحبط النمو الاقتصادي، في وقت يصبح فيه تشجيع التجارة والنمو حاسماً لاستقرار المنطقة، وهو يعتبر أن تعزيز التجارة الأمريكية والاستثمار الأمريكي، جانب رئيسي للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.
الرؤية الغربية للترتيبات الإقليمية واحدة، مع اختلافات محدودة في التفاصيل، بين دولة وأخرى، وتقوم على إعادة صياغة العلاقات بين دول المنطقة، وإدماج إسرائيل في المنطقة، وما يترتب على ذلك من إلغاء المقاطعة، وفتح الأسواق أمام السلع والمنتجات الإسرائيلية، وتمكين إسرائيل من الحصول على المواد الخام، من الدول العربية، وتقترب الرؤية الدولية للترتيبات الإقليمية، من نظرية رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، وكان مؤتمرا الدار البيضاء وعمان، جزءاً لا يتجزأ من الترتيبات الإقليمية ومشروعات التعاون الإقليمي، كما يعتبر الاتفاق التركي الإسرائيلي والشراكة الإستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية، جزءاً من الترتيبات الإقليمية في المنطقة.
الرؤى الدولية للشرق الأوسط، تختلف باختلاف الدول والمصالح في المنطقة، ولكل من الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوربي، واليابان، وروسيا، والصين، مصالح كبيرة في المنطقة، إلا أن مشروع الشرق الأوسط الجديد، كان أكثر المشروعات حظاً، من زاوية الاهتمام الدولي، وفي إطار هذا المشروع، عقدت قمة الدار البيضاء، في أكتوبر عام 1994م، ثم تلتها في العام التالي قمة عمان الاقتصادية، ويرى البعض أن مؤتمر القاهرة في نوفمبر عام 1997م، كان نقطة التحول في مشروعات الشرق الأوسط الجديد، ذلك أن هذا المؤتمر لم يتعرض إلى مشروعات، تتعلق برفع المقاطعة العربية عن إسرائيل، على عكس القمتين السابقتين، وأثبت أن التقدم في التطبيع الاقتصادي يجب أن يسير على التوازي، مع التقدم في مسيرة السلام، وقد تم في هذا المؤتمر الاقتصادي للشرق الأوسط وشمالي أفريقيا إقرار العديد من المشروعات، وتشترك هذه المشروعات، في أنها تربط بين أكثر من دولة من دول إقليم الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، خاصة بعد الموافقة على إنشاء صندوق إقليمي للتنمية الاقتصادية، تسهم فيه بعض الدول الكبرى، وبعض دول المنطقة، ويرتكز المشروع الشرق أوسطي، على أن تاريخ الحروب العربية الإسرائيلية أثبت أن الأمن والاستقرار لا يتحققان بقوة السلاح وحده، وأن مطلب الأمن هو مطلب إسرائيلي وعربي، في الوقت نفسه، فالمفهوم الشامل للأمن القومي، يعتمد على متغيرات أخرى غير العسكرية، مثل الثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، خاصة أن نوع الأسلحة، التي تحتفظ بها دول المنطقة، تتخطى مفاهيم الأمن الجغرافي، ومن ثم فإن تفعيل هذه المتغيرات غير العسكرية، من شأنه أن يثبت مفهوم السلام، ولابد أن يتزامن ذلك، مع نزع السلاح النووي، وتخفيض الإنفاق العسكري في المنطقة، بحيث تصبح المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، وتحويل الجزء الباقي إلى التنمية الاقتصادية، ورفع مستوى شؤون المنطقة. والفرضية الأساسية الثانية، في مشروعات التعاون الإقليمي، أن هذه المشروعات يجب أن تستمد مقوماتها من النظام الإقليمي العربي، بعد أن أصبح حفظ الأمن العربي يقوم على هوية ثقافية، تستوعب كل الأقليات في المنطقة الدينية، والعرقية، والإثنية، بينما النظام الشرق أوسطي، يقوم على التعددية الثقافية، والدينية، والعرقية، والجديد، في مشروعات التعاون في إطار الشرق أوسطية، أن هناك أصواتاً في إسرائيل نفسها تنتقد التكلفة المرتفعة، التي ستتحملها إسرائيل، نتيجة للتعاون الإقليمي الشرق أوسطي، كما روج له شيمون بيريز، وبالتالي فإن الحكومة الإسرائيلية لها رؤية مختلفة للتعاون الإقليمي، تقوم على شرق أوسطية جديدة معدلة، تعتمد على الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة. وفي المقابل هناك وجهات نظر للمثقفين العرب تقول إن إسرائيل، بعدد سكان لا يتجاوز خمسة ملايين نسمة وفقر في الموارد الطبيعية، ليست مؤهلة لقيادة أيّ مشروع تعاوني شرق أوسطي، من دون مساندة الدول المحورية في المنطقة العربية، وهي مصر وسوريا والسعودية، خاصة أن تجارب التعاون الإقليمي في المنطقة العربية، منذ الفترة التالية للحرب العالمية الثانية، لا تضمن لهذا التعاون الإقليمي أن يلقى نفس مصير التعاون الإقليمي العربي، خاصة أن تحديد الإطار الجغرافي لمنطقة الشرق الأوسط، فيه غموض مقصود، وعلى الرغم من أنه أكثر المصطلحات شيوعاً، فإنه أكثرها مدعاة للاختلاف من زاوية من يضم من الدول، ومن يستبعد. من ثم، فإن أي حدود جغرافية للتعاون الإقليمي في إطار الشرق الأوسط، يجب أن تشمل جميع الدول العربية، فضلاً عن دول الجوار اللصيقة، حتى يمكن الوصول إلى الاستقرار القائم، على وحدة جيوبوليتيكية متماسكة سياسياً، واجتماعياً، واقتصادياً، وأمنياً، بمعنى أن يكون، لدى الأطراف في الشرق الأوسط، قناعة بأن لها مصالح مشتركة ومتبادلة، تستلزم حلولاً متوازنة وعادلة لجميع القضايا محل التعاون، بحيث تضمن هذه الحلول حقوق ومصالح الأطراف، في تكافؤ وتوازن، يؤدي إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي من دون أن يحاول طرف ما أن يهيمن على مقدرات الأطراف الأخرى، أو أن يستفيد على حساب الآخرين، أو أن يفرض إرادته على أطراف هذا النسق الإقليمي. هناك معالم مشتركة، تجمع بين رؤى هذه الدول جميعها للشرق الأوسط، لكن هناك سمات محددة مميزة للرؤية الأمريكية، وهي الأكثر تأثيراً في مجريات الأمور في المنطقة، غير أنه، من الضروري، التركيز في موضوع الرؤية، على قضيتين محددتين هما: التسوية والترتيبات الإقليمية:
1. التسوية السياسية: إن التوجه الرئيسي للدول المعنية بالتسوية في الشرق الأوسط، بغض النظر عن أي خلافات سياسية بينها، هو أن هذه التسوية حتمية، ومن الضروري التشجيع على استمرار عملية السلام، والتغلب على العقبات، التي تعترض طريقها حتى تستقر أحوال المنطقة، وتزول الحواجز بين شعوبها، وهناك إجماع على أن السلام لا رجعة فيه، وهو ما أكده وزراء خارجية دول الاتحاد الأوربي (15دولة)، في اجتماعهم في مدينة بالرمو، في فبراير عام 1996م، وترى أمريكا، وروسيا، واليابان، والصين، ودول العالم الأخرى الرأي نفسه، غير أنه، من الملاحظ، أن الموقف الأوربي، والصيني، والياباني، والروسي مؤخراً، أكثر توازناً في التعامل مع قضية التسوية في الشرق الأوسط، وأقرب إلى الدعوة لتطبيق قرارات الشرعية الدولية، بشأن النزاع العربي الإسرائيلي، نصاً وروحاً، كذلك لوحظ أن أوربا بدأت تشعر بالضيق من انفراد الولايات المتحدة، بتقرير كل شيء في المنطقة، وظهر ذلك بوضوح في إصرار فرنسا على الاضطلاع بدور مهم، إبان العدوان الإسرائيلي على لبنان، وتصريحات الرئيس الفرنسي، حول عزم بلاده على العودة إلى المنطقة، بعد غيبة طويلة، وفي الوقت نفسه، انتقدت روسيا تجاهل أمريكا لها في التحركات الدبلوماسية في المنطقة، وإحجام واشنطن عن التشاور والتنسيق مع روسيا، وهي أحد راعيي مسيرة السلام، كما بدا واضحاً أن الدبلوماسية اليابانية والصينية، قد نشطتا في المنطقة.
ويلاحظ على الرؤية الدولية للشرق الأوسط عموميتها، فقد حلت عبارة عملية السلام في تصريحات وبيانات الأطراف الدولية، محل عبارة انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي، التي احتلت في يونيه عام 1967م، ومحل عبارة ضرورة الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، التي كانت تظهر في البيانات الدولية، مثل بيان البندقية الشهير عام 1982م، الذي تحدث عن وطن للفلسطينيين، وكادت تختفي عبارة الدعوة إلى تنفيذ قراري مجلس الأمن رقم 242 و338، وتوارت عبارة (الأرض مقابل السلام) في عدد من البيانات الدولية، مما يشير إلى ميل متزايد من جانب الأطراف الدولية، إلى عدم استخدام عبارات تضايق الجانب الإسرائيلي، بحجة تجنب ما يعكر صفو عملية السلام.
تركز الرؤية الدولية للتسوية على أن عملية السلام، التي بدأت في مدريد 13 أكتوبر 1991م، تخطت حاجز الجمود، واجتازت نقطة لا عودة منها، ولم يبق في مقدور أي طرف أن يعترض المسيرة، أو يحاول إيقافها، من دون أن يضع نفسه في تناقض مع العالم كله، فلم يبق الشرق الأوسط نقطة تصادم بين الكتلتين الشرقية والغربية، ولم يبق الغرب يخشى من انحياز دول عربية إلى موسكو، فقد أصبحت دول المنطقة، باستثناء إيران، ترتبط بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، وأصبحت الولايات المتحدة، بعد حرب الخليج الثانية، هي القوة المسيطرة على المنطقة، وانكمش الدور الأوربي إلى أدنى حد، وقد حدد أنطوني ليك، مستشار الأمن القومي الأمريكي، الهدف السياسي لبلاده في المنطقة، بأنه توسيع دائرة الدول الديمقراطية، التي تعمل بنظام السوق، وتعزيز المصالح الأمريكية، وحمايتها في المنطقة، ومواجهة تهديد الأنظمة الراديكالية، سواء العلمانية أو الدينية، لهذه المصالح[1]، وتحتوي الرؤية الأمريكية الواضحة للمنطقة على عناصر ثابتة وأخرى متغيرة، والثبات ناجم عن بقاء العديد من المصالح الحيوية لأمريكا في المنطقة، من دون تغيير، فمازال التدفق الحر لبترول الشرق الأوسط بأسعار معقولة، يُعدّ من المصالح الأمريكية الثابتة، كما أن ضمان التفوق النوعي لإسرائيل، في مجال التسلح، على مجموع الدول العربية، والمحافظة على أمن إسرائيل وبقائها ورخائها، من المصالح الثابتة للولايات المتحدة. أما العناصر المتغيرة، فهي تناقض في استخدام الوسائل العسكرية والاقتصادية للتأثير في الأحداث، في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، كما أن عصر الصواريخ خلق وضعاً، يمكن أن تجد فيه تل أبيب أنها عرضة لهجوم من أطراف في المنطقة. في الوقت نفسه، أثبتت إيران أنّ يدها يمكن أن تصل إلى أي مكان في المنطقة، وتتدخل في عملية السلام، وهناك أيضاً الدور المتزايد الأهمية، الذي تلعبه تركيا في الحسابات الإقليمية، من وجهة النظر الأمريكية، حيث تضع الرؤية الأمريكية، في حسابها، أن وجود حدود مشتركة، بين تركيا من جهة، وبين العراق، وإيران، وسوريا، من جهة أخرى، يمكن أن تخدم عملية احتواء النظام العراقي، وتنفيذ خطة توفير الإغاثة لسكان كردستان العراق، والضغط على سوريا عند اللزوم، والتحكم في حركة الأكراد على الحدود الإيرانية، في الوقت المناسب. وتعتمد الرؤية الأمريكية على استثمار انهيار الاتحاد السوفييتي، وهزيمة العراق، وتصفية قدرته العسكرية، وسقوط جبهة الرفض الراديكالية في الشرق الأوسط، لمنع ظهور قوى متطرفة جديدة في إيران أو السودان، قادرة على أن تفرض نفوذها على المنطقة، فضلاً عن زيادة وجودها العسكري، وتحجيم المطامح العسكرية لإيران والعراق، والتحكم في شحنات الأسلحة للدول الأخرى في المنطقة، ومن ثم، فإن هدف السياسة الأمريكية هو الوصول إلى تجمع شرق أوسطي، بدون إيران، والعراق، وليبيا، والسودان، مع التلويح بعزل سوريا إذا تمسكت بشروطها للتسوية مع إسرائيل، بدون تعديل، حيث مازالت تصر على وضع اسم سوريا في قائمة الدول، التي ترعى الإرهاب.
لقد ركزت الرؤية الأمريكية على إنهاء النزاع مع إسرائيل، وتطبيع العلاقات، وفتح الحدود، وتبادل السفارات، وإقامة العلاقات التجارية، مع إغفال متعمد، لقضية انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي، التي احتلتها في عدوان يونيه عام 1967م، وإغفال متعمد، لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، كذلك سقطت المصداقية الأمريكية نهائياً، في المنطقة، عندما وافقت واشنطن، على استثناء إسرائيل من التوقيع على المعاهدة الدولية لحظر الانتشار النووي، والضغط على العرب للتوقيع عليها، بما يعني التصديق على الاحتكار النووي الإسرائيلي، والاعتراف بالقدرة النووية لإسرائيل، وعقد تحالف إستراتيجي أمريكي إسرائيلي، يضمن لها، نهائياً، الاحتفاظ بالتفوق النوعي في المجال العسكري، إلى جانب الحصول على معلومات أجهزة المخابرات الأمريكية، وأقمار التجسس، وكل المستجدات التكنولوجية المتطورة. وساعدت أمريكا، بسياساتها في المنطقة، على تثبيت الوهم لدى الناخب الإسرائيلي، بأن حكومته تقدم التنازلات للفلسطينيين، مما يساعد على تواري المبدأ الأساسي للسلام، وهو إنهاء الاحتلال.
وبينما ركزت الرؤية الأمريكية على التعبئة، ضد ما تسميه التطرف الإسلامي، فقد أغفلت خطر التطرف اليهودي، على رغم أن موجة التطرف الديني والعنصري في إسرائيل، والتي قتلت إسحاق رابين، كانت تهدد عملية السلام، كما أن الحكومة الأمريكية لم تعارض قرار الكونجرس، بتحديد موعد نهائي لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، متجاهلة بنود اتفاق أوسلو، التي تنص على أن القدس محل تفاوض بين الجانبين في مفاوضات الحل النهائي، وقد أدت الرؤية الأمريكية إلى أن تبقى القضايا الرئيسية للصراع العربي الإسرائيلي، معلقة بلا حل، مثل قضايا الحدود، والانسحاب من الأراضي، التي احتلت عام 1967م، والمستوطنات، والقدس، وحق العودة، واللاجئين، والمياه، وتقرير المصير، كما ترتب، على هذه الرؤية، انتصار التطرف الإسرائيلي المناوئ لعملية السلام.
2. الترتيبات الإقليمية: يلخص روبرت بلليترو، مساعد وزير الخارجية الأمريكية، الرؤية الأمريكية للترتيبات الإقليمية في المنطقة، بقوله: إن المقاطعة العربية لإسرائيل هي أحد العوائق، في طريق التوسع الاقتصادي في المنطقة، وهي تحبط النمو الاقتصادي، في وقت يصبح فيه تشجيع التجارة والنمو حاسماً لاستقرار المنطقة، وهو يعتبر أن تعزيز التجارة الأمريكية والاستثمار الأمريكي، جانب رئيسي للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.
الرؤية الغربية للترتيبات الإقليمية واحدة، مع اختلافات محدودة في التفاصيل، بين دولة وأخرى، وتقوم على إعادة صياغة العلاقات بين دول المنطقة، وإدماج إسرائيل في المنطقة، وما يترتب على ذلك من إلغاء المقاطعة، وفتح الأسواق أمام السلع والمنتجات الإسرائيلية، وتمكين إسرائيل من الحصول على المواد الخام، من الدول العربية، وتقترب الرؤية الدولية للترتيبات الإقليمية، من نظرية رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، وكان مؤتمرا الدار البيضاء وعمان، جزءاً لا يتجزأ من الترتيبات الإقليمية ومشروعات التعاون الإقليمي، كما يعتبر الاتفاق التركي الإسرائيلي والشراكة الإستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية، جزءاً من الترتيبات الإقليمية في المنطقة.
الأربعاء 16 ديسمبر 2009, 9:02 am من طرف mobi
» قصة الكرواسون
الثلاثاء 08 ديسمبر 2009, 9:35 am من طرف mobi
» عندما تجرح الانثي
الإثنين 07 ديسمبر 2009, 10:59 am من طرف mobi
» فصص فصيرة
السبت 05 ديسمبر 2009, 12:16 pm من طرف good_heart
» اجمل جمل بالعالم
السبت 05 ديسمبر 2009, 9:27 am من طرف عاشق لتراب مصر
» الي رجل ...الي نزار
الخميس 26 نوفمبر 2009, 9:59 am من طرف عاشق لتراب مصر
» نزار والسيدة
الخميس 26 نوفمبر 2009, 9:50 am من طرف عاشق لتراب مصر
» نزار والغضب
الخميس 26 نوفمبر 2009, 9:48 am من طرف عاشق لتراب مصر
» انا ونزار
الخميس 26 نوفمبر 2009, 9:40 am من طرف عاشق لتراب مصر