الرؤية التركية
كانت الدولة العثمانية، في صميمها، عالمية، لا تعترف بالقوميات، وكانت القومية أحد العناصر الأولى، التي أخذها المثقفون الأتراك عن الثقافة الأوربية، أما الدافع الحقيقي لنشأة القومية التركية، فهو إحساس هذه القلة المثقفة، بأن هذه القومية ستكون رباطاً يجمع ما بقي من أوصال مفككة للإمبراطورية التركية، التي لم يكن لها من أمل في أن تعيش إلا إذا أخذت بأساليب الحكم والإدارة الأوربية، وقد حاول كمال أتاتورك بعث القومية التركية، بأن بالغ في الإلحاح على الجانب التاريخي من فكرة الجامعة التورانية، ويتضمن ذلك الجانب نظرية القومية التاريخية ونظرية لغة الشمس، وتفترض كل منهما أن الأتراك هم أصل التاريخ، بل أصل النوع البشري، وأن كل ما في العالم من حضارة، إنما يرجع إليهم، وبهذا ربط أتاتورك بين ماضي الأتراك في شرق وأواسط آسيا وحاضرهم، وأعطاهم كثيراً من الثقة في أنفسهم، ولكنه، في الوقت نفسه، وضع الأساس لأفكار متعصبة تؤمن بالعنصرية، ولقد سخر كثير من الأتراك أنفسهم من هاتين النظريتين في أول الأمر، واعتبروهما مجرد حماسة طائشة، ولاتزال قلة من المثقفين تنظر إليهما نفس النظرة، ولكنهما، مع ذلك، لاتزالان تصبغان التعليم العام في تركيا بصبغتهما، وعلى الرغم من وجود بعض العناصر، التي تستغل الفكرة العنصرية في دعايتها السياسية، فإن قادة الحركات السياسية في تركيا يرون أن سر نجاح المجتمع العثماني، فيما مضى، يرجع إلى أنه كان ملتقى لجميع الأجناس والألوان.
على كل حال، فإن تركيا لا تستطيع، في ظروفها المعاصرة، أن تكون مثالية، غير أن سياستها تقوم على عنصرين هما: المحافظة على بقائها وتحقيق التقدم الداخلي، وقد كانت سياستها، إبان الحرب العالمية الثانية، تهدف أولاً إلى تحقيق مصلحتها الذاتية، وبنفس الأسلوب، أدارت دفتها، بعد انتهاء الحرب، وعندما قامت مشكلة فلسطين، لم تكن تركيا تشجع الصهيونية أو أي قوة معادية للعرب، ولكنها عندما رأت أن مصلحتها وأمنها يتطلبان قبول الأمر الواقع، لم تتردد في التعاون مع منظمة الأمم المتحدة في تأييد إسرائيل، بل لم تتردد كذلك، في تقوية علاقاتها التجارية معها، وقد سعت تركيا إلى أن تكون علاقاتها مع الدول العربية، وإيران، وباكستان، وأفغانستان متزنة، إلا أنها لا يمكن أن توصف بأنها ودية. مع السياسة المتوازنة، التي تحاول تركيا أن تنتهجها بين العرب وإسرائيل، رحبت تركيا بمشروع الشرق الأوسط الجديد، كما رحبت بقيام دولة فلسطين، لأنها ترى، في ذلك، تحقيق فائدة من الأموال الغربية المتصور تدفقها على فلسطين؛ واستعداداً لذلك، عمدت تركيا إلى تحريك العلاقات التركية العربية، بشكل أكثر إيجابية، كما سعت، في الوقت نفسه، إلى زيادة التقارب مع إسرائيل، وقامت الدكتورة طان صو تشيلر بأول زيارة لرئيس وزراء تركي لإسرائيل، كما قام المهندس سليمان دميرال بأول زيارة لرئيس تركي إلى إسرائيل، إلا أن العلاقات العربية التركية شهدت توتراً ملحوظاً، خاصة بين تركيا وسوريا، حول قضية المياه، ودعم سوريا للمتمردين الأكراد، مع تفجر الموقف الكردي بقيادة عبدالله أوجلان المطالب بدولة كردية مستقلة في الإقليم الشرقي من تركيا، والذي تسكنه أغلبية كردية ويعاني من الفقر والإهمال، مما دفع تركيا إلى مواجهة القضية الكردية بحسم، فقامت بقمع الثوار الأكراد، والقبض على زعيمهم أوجلان، كما قامت، في الوقت نفسه، بالاهتمام بالإقليم الشرقي، وتعمير المنطقة، من خلال بناء السدود لتوفير المياه للزراعة، وإقامة المصانع، وتشجيع الاستثمارات، من أجل القضاء على البطالة، كما دعت، في الوقت نفسه إلى تعديل اتفاقية الحدود بينها وبين العراق، والتي كانت قد وقعت عام 1925م، مما يشير إلى تغير جوهري في السياسة التركية، بناء على الرؤية التركية لمشروع الشرق الأوسط الجديد، وتأتي الاتفاقية التركية الإسرائيلية شاهداً على عمق التحول في الرؤية التركية للمنطقة، ودليلاً على جرأة التغيير في السياسة التركية، التي كانت تسعي دائماً، خاصة في السبعينيات والثمانينيات، إلى تحقيق عنصر التوازن في حركتها بين العرب وإسرائيل، وما يؤكد جدية الرؤية التركية أنها تعبر عن نفسها وسط ظروف دقيقة ومعقدة في مسيرة السلام بين العرب وإسرائيل، وتعلن التزامها بالتعامل مع الرؤية الأمريكية، بإيجابية واضحة.
كانت الدولة العثمانية، في صميمها، عالمية، لا تعترف بالقوميات، وكانت القومية أحد العناصر الأولى، التي أخذها المثقفون الأتراك عن الثقافة الأوربية، أما الدافع الحقيقي لنشأة القومية التركية، فهو إحساس هذه القلة المثقفة، بأن هذه القومية ستكون رباطاً يجمع ما بقي من أوصال مفككة للإمبراطورية التركية، التي لم يكن لها من أمل في أن تعيش إلا إذا أخذت بأساليب الحكم والإدارة الأوربية، وقد حاول كمال أتاتورك بعث القومية التركية، بأن بالغ في الإلحاح على الجانب التاريخي من فكرة الجامعة التورانية، ويتضمن ذلك الجانب نظرية القومية التاريخية ونظرية لغة الشمس، وتفترض كل منهما أن الأتراك هم أصل التاريخ، بل أصل النوع البشري، وأن كل ما في العالم من حضارة، إنما يرجع إليهم، وبهذا ربط أتاتورك بين ماضي الأتراك في شرق وأواسط آسيا وحاضرهم، وأعطاهم كثيراً من الثقة في أنفسهم، ولكنه، في الوقت نفسه، وضع الأساس لأفكار متعصبة تؤمن بالعنصرية، ولقد سخر كثير من الأتراك أنفسهم من هاتين النظريتين في أول الأمر، واعتبروهما مجرد حماسة طائشة، ولاتزال قلة من المثقفين تنظر إليهما نفس النظرة، ولكنهما، مع ذلك، لاتزالان تصبغان التعليم العام في تركيا بصبغتهما، وعلى الرغم من وجود بعض العناصر، التي تستغل الفكرة العنصرية في دعايتها السياسية، فإن قادة الحركات السياسية في تركيا يرون أن سر نجاح المجتمع العثماني، فيما مضى، يرجع إلى أنه كان ملتقى لجميع الأجناس والألوان.
على كل حال، فإن تركيا لا تستطيع، في ظروفها المعاصرة، أن تكون مثالية، غير أن سياستها تقوم على عنصرين هما: المحافظة على بقائها وتحقيق التقدم الداخلي، وقد كانت سياستها، إبان الحرب العالمية الثانية، تهدف أولاً إلى تحقيق مصلحتها الذاتية، وبنفس الأسلوب، أدارت دفتها، بعد انتهاء الحرب، وعندما قامت مشكلة فلسطين، لم تكن تركيا تشجع الصهيونية أو أي قوة معادية للعرب، ولكنها عندما رأت أن مصلحتها وأمنها يتطلبان قبول الأمر الواقع، لم تتردد في التعاون مع منظمة الأمم المتحدة في تأييد إسرائيل، بل لم تتردد كذلك، في تقوية علاقاتها التجارية معها، وقد سعت تركيا إلى أن تكون علاقاتها مع الدول العربية، وإيران، وباكستان، وأفغانستان متزنة، إلا أنها لا يمكن أن توصف بأنها ودية. مع السياسة المتوازنة، التي تحاول تركيا أن تنتهجها بين العرب وإسرائيل، رحبت تركيا بمشروع الشرق الأوسط الجديد، كما رحبت بقيام دولة فلسطين، لأنها ترى، في ذلك، تحقيق فائدة من الأموال الغربية المتصور تدفقها على فلسطين؛ واستعداداً لذلك، عمدت تركيا إلى تحريك العلاقات التركية العربية، بشكل أكثر إيجابية، كما سعت، في الوقت نفسه، إلى زيادة التقارب مع إسرائيل، وقامت الدكتورة طان صو تشيلر بأول زيارة لرئيس وزراء تركي لإسرائيل، كما قام المهندس سليمان دميرال بأول زيارة لرئيس تركي إلى إسرائيل، إلا أن العلاقات العربية التركية شهدت توتراً ملحوظاً، خاصة بين تركيا وسوريا، حول قضية المياه، ودعم سوريا للمتمردين الأكراد، مع تفجر الموقف الكردي بقيادة عبدالله أوجلان المطالب بدولة كردية مستقلة في الإقليم الشرقي من تركيا، والذي تسكنه أغلبية كردية ويعاني من الفقر والإهمال، مما دفع تركيا إلى مواجهة القضية الكردية بحسم، فقامت بقمع الثوار الأكراد، والقبض على زعيمهم أوجلان، كما قامت، في الوقت نفسه، بالاهتمام بالإقليم الشرقي، وتعمير المنطقة، من خلال بناء السدود لتوفير المياه للزراعة، وإقامة المصانع، وتشجيع الاستثمارات، من أجل القضاء على البطالة، كما دعت، في الوقت نفسه إلى تعديل اتفاقية الحدود بينها وبين العراق، والتي كانت قد وقعت عام 1925م، مما يشير إلى تغير جوهري في السياسة التركية، بناء على الرؤية التركية لمشروع الشرق الأوسط الجديد، وتأتي الاتفاقية التركية الإسرائيلية شاهداً على عمق التحول في الرؤية التركية للمنطقة، ودليلاً على جرأة التغيير في السياسة التركية، التي كانت تسعي دائماً، خاصة في السبعينيات والثمانينيات، إلى تحقيق عنصر التوازن في حركتها بين العرب وإسرائيل، وما يؤكد جدية الرؤية التركية أنها تعبر عن نفسها وسط ظروف دقيقة ومعقدة في مسيرة السلام بين العرب وإسرائيل، وتعلن التزامها بالتعامل مع الرؤية الأمريكية، بإيجابية واضحة.
الأربعاء 16 ديسمبر 2009, 9:02 am من طرف mobi
» قصة الكرواسون
الثلاثاء 08 ديسمبر 2009, 9:35 am من طرف mobi
» عندما تجرح الانثي
الإثنين 07 ديسمبر 2009, 10:59 am من طرف mobi
» فصص فصيرة
السبت 05 ديسمبر 2009, 12:16 pm من طرف good_heart
» اجمل جمل بالعالم
السبت 05 ديسمبر 2009, 9:27 am من طرف عاشق لتراب مصر
» الي رجل ...الي نزار
الخميس 26 نوفمبر 2009, 9:59 am من طرف عاشق لتراب مصر
» نزار والسيدة
الخميس 26 نوفمبر 2009, 9:50 am من طرف عاشق لتراب مصر
» نزار والغضب
الخميس 26 نوفمبر 2009, 9:48 am من طرف عاشق لتراب مصر
» انا ونزار
الخميس 26 نوفمبر 2009, 9:40 am من طرف عاشق لتراب مصر